عدالة السماء حقيقة أم خيال؟

بسم الله الرحمن الرحيم

حبيت أطرح موضوع من جد مهم كثير لأنه الكل يتناوله إما بلسانه وإما بقلبه فحبيت إني أطرح فيه عدة نقاط عسى إن شاء الله تعم الفائدة

هل عدالة الله حقيقة أم خيال؟؟ واقع أم سراب؟

إن شاء الله نكتشف من خلال ها الموضوع

فأقول:

{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}

من خلال هذه الآية الكريمة نستطيع أن نستخرج ثلاث أسئلة عقلانية وهي:

أولا:ما هو مفهوم العدل حقا؟ حيث إن الآية تشير إن البشر ليسوا بمتساوين!

السؤال الثاني:حيث إن الله قسم بين الناس معيشتهم فهل هذا تمييز لأننا نرى أن بعض الناس فقراء والبعض الآخر غني؟ ولم خلقني الله أوليس هو غني عني؟ولم خلق الكافر وهو يعلم إنه سيكون من أهل النار؟ ولم خلق المحروم وهو يعلم إنه سيكون محروما؟

السؤال الثالث:وهو سؤال مستخرج كنتيجة للسؤالين الأول والثاني إذا كان عدم التساوي فهذا معناه هناك نقيضان كالغني والفقير فدلالة ذلك هل الشرور من موجودات الخالق؟

بعد طرح هذه الأسئلة وفهم تركيبها نبحر قاصدين بر الأمان والخروج من هذه الشبهات وإنارة العقل بشكل كلي وحتمي بإذن الله

فأقول:

جوابا على السؤال الأول:

للعدل مفهومان:

أ:إعطاء كل ذي حق حقه:كان ناشئا من عمل تكويني أو من إعتبار قانوني.

مثال:عندما يأتي الانسان في المسجد أو في السوق ويستولي على مكان ويضع بضاعته فيه يصبح له الحق في ذلك المكان، وهذا يسمى حق السبق، جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله): "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلمٌ فهو أحق به"، ولا يجوز لأحد أن يزيحه عنه، أما من ناحية الاعتبار القانوني فذلك كنفقة الزوج على زوجته

فهذا مفهوم العدل من الناحية الأولى

والمفهوم الآخر هو:

ب:إفاضة الوجود على الأشياء بحسب استعدادها:
هذا المعنى يختص بالله دون المعنى الأول؛ لأن العدل بالمعنى الأول يتوقف على وجود حق، وليس للمخلوق حقٌ على خالقه، فهو ملكٌ محضٌ لله، فإعطاء الله الصحة مثلاُ للمخلوق إنما هي نعمة منه سبحانه لا حق للمخلوق.
بعث الله إلى موسى: "يا موسى، اشكرني حق شكري"، قال: وكيف أشكرك حق شكرك وكلما وصلتُ إلى شكر علمتُ أنه نعمة منك؟ قال: "الآن شكرتني حق شكري حيث علمتَ أن ذلك مني".
فالعدل بين البشر هو بالمعنى الأول (إعطاء كل ذي حق حقه)، وأما العدل من الله فهو بالمعنى الثاني (إفاضة الوجود على الأشياء بحسب استعدادها)

جوابا على السؤال الثاني:

يقوم الجواب على هذه الأسئلة عن طريق قاعدتين فلسفيتين:

أ:الفاعل الناقص مستكملٌ بغايته والفاعل الكامل غايته ظهور ذاته

ما معنى هذا الكلام وكيف نسيق هذه القاعدة؟ سأشرحها بمثال فأقول:أنا وأنت وهو وهي وكل الموجودات عندما نشعر بالجهل تجاه أمر معين ونتعلم فما هي غايتنا؟

أوليس لرفع النقص وتكميل أنفسنا بالعلم؟

فأنا وأنت وهو وهي فاعل ناقص مستكمل بغايته

ولكن لنرى ما معنى الشق الثاني:

عندما تأتي إلى إنسان كريم مثل حاتم الطائي وتسأله: لماذا تصرف كل هذه الأموال؟ فهو لا يجيبك بأنه يريد أن يكون إنسانًا كريمًا ولكن يقول: غايتي ظهور كمالي (وهو الكرم).
فالله هو الكمال المطلق، وهو ليس محتاجًا إلى الكون؛ لأنه كاملٌ، ولكن غايته من خلق الوجود كله هي ظهور كماله، ولذلك فهذا الوجود يسير إليه {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}، وهذا المضمون موجودٌ في بعض الروايات إن صحّت: "كنتُ كنزًا مخفيًا فأحببتُ أن أعْرَف فخلقتُ الخلقَ كي أعْرَف".

وعليه فالله خلق الكافر ليكون مظهرًا لكماله ولكن الكافر وقع في الكفر، وعلمه سبحانه بذلك ليس علة لوقوعه في الكفر، وهذا ما تجيب عليه القاعدة الثانية.

ب:العلم ليس من سلسلة علل المعلوم.

ماذا تراني أقصد بهذه القاعدة ركز معي أخي القاريء وستجد الأمر سهلا يسيرا بإذنه

مثال:أنا عندي ولدٌ، وأدخلته المدرسة، وأوفر له الأستاذ الكفْء، وأوفر له كل وسائل التعلم والمعرفة، وغرضي هو أن يكون ولدي كاملاً، ولكني أعلم أن هذا الولد سوف يختار الفشل وسوف يختار الإخفاق بإرادته، فهل أُلام على ذلك؟ لا، فإدخالي له المدرسة ليس ظلمًا له، وعلمي بحاله لم يوقعه في الفشل ولكن ذلك وقع بإرادته واختياره.
وعليه فالذي أوقع الكافر في الكفر هو إرادته واختياره وليس علم الله بذلك

2- عندما خلقنا لماذا ميّزنا؟! لماذا خلق شخصًا شجاعًا وآخر جبانًا وهكذا؟! لماذا لم يخلقنا بنسق متساوٍ؟

الجواب:

التمييز غير التمايز، والظلم يحصل بالتمييز وليس بالتمايز، ومثال ذلك: أنت أستاذ في المدرسة وعندك طالبان، تارة تفضّل طالبًا على آخر بدون سبب، فهذا تمييزٌ، وهو ظلمٌ، وتارة تجري لهما امتحانًا وكلٌ يجيب بحسب جهده واستعداده، وبعد الامتحان أعطيتَ كل منهما درجة بمقدار إجاباته، فهذا تمايزٌ وليس تمييزًا، وهو ليس بظلم.
وعليه فتفاوت البشر في الصفات الذاتية اللازمة (فلان ابن فلان) إنما هو من باب التمايز وليس من باب التمييز، وشرح ذلك يأتي من خلال قاعدتين:

أ:لكل موجود نظامٌ طوليٌ ونظامٌ عرضيٌ، ويعبر عنها بالسنخية بين العلة والمعلول.

مثال:التفاحة جاءت من خلال ارتباطات: ارتباطها بعلتها، وهي النواة (نظام طولي)، وارتباطها بمادتها، وهي الماء والتربة (نظام عرضي)، فالتفاحة لا يمكن أن تتحقق بدون هذين النظامين، وارتباطها بهما يسمى بالسنخية.
إذن هذه التفاحة حصلت ولم تحصل برتقالة بسبب أن هذه النواة لا تولد إلا تفاحة، وحصلت هذه التفاحة بالذات بسبب العاملين الطولي والعرضي، فلو أبدلتَ هذه مكان هذه لم تكن هذه، مثل الأعداد.

نفرض مثلاً أبا طالب مؤمنَ قريش وُلِدَ إنسانًا أبيض اللون وكان شجاعًا وكريمًا ومن بني هاشم من ذرية عبد المطلب، ولكنه جاء في موقع معين بين عبد المطلب وعلي، وجاء في زمن محدد ومكان ونطفة محددة، والنطفة هي التي تحدد شخصية الإنسان.
فكل الأسئلة التي تقول: لماذا خلقني الله إنسانًا غبيًا؟! ولماذا ولماذا؟! إجابتها أنك جئتَ في ذلك الموقع الذي فرض عليك ذلك

2. لماذا جئتُ أنا في ذلك الموقع؟

نجيب عليها بالقاعدة الثانية وهي:

ب:سلسلة العلل:

شرحها يسير جدا:

لدينا آية {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} ومعنى ذلك أن الله ليس له إرادات متعددة، بل له إرادة واحدة، ومثال ذلك: ماءٌ موضوعٌ على النار، فستجد أن هناك عدة أسباب ومسبّبات: النار سببٌ لوصول درجة حرارة الماء إلى المئة، ووصول درجة حرارة الماء إلى مئة سببٌ لتبخره، وتبخره سببٌ لكثافة الجو، فالله أراد هذه السلسلة كلها إرادة واحدة وليس لكل حلقة من السلسلة إرادة، وعليه فالله لم يرد أن يخلق أبا طالب وحده وأن يكون في هذا الموقع وإنما أراد السلسلة بكاملها، يأتي عبد المطلب، ثم أبو طالب، ثم علي

جوابا على السؤال الثالث:

نجيب في هذا المحور عن السؤال الثالث، وهو:لماذا قدّر علينا الشرورَ والآفاتِ والمصائبَ؟! لماذا خلق لنا الزلازل والبراكين؟! لماذا جعلنا نعيش في شرورٍ وآفاتٍ ومصائبَ؟!

الجواب على هذه التساءلات من وجهين:

أ:كما يقول الفلاسفة: الشر أمرٌ نسبيٌ وليس أمرًا حقيقيًا.

والفلاسفة يقولون أن الله خيرٌ مطلقٌ ولا يصدر من الخير إلا الخير، ومن المستحيل أن يصدر منه الشر، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}فكل شيء في الوجود خيرٌ، فمن أين جاء هذا الشر؟
مثال: الذبابة نعتبرها شرًا بينما هي طاقة، وهي في حد ذاتها خيرٌ، فهي تساهم في تلقيح بعض الأشجار، والشر أمرٌ نسبيٌ يأتي من عدم انسجامها مع خلايا جسم الإنسان، وأنت كما تنظر للذبابة على أنها شرٌ كذلك السمكة تنظر إليك على أنك شرٌ، فالشر أمرٌ نسبيٌ ناتجٌ عن عدم الانسجام

الوجه الثاني:

ب:أنت لماذا تنظر للشر وحده؟!

انظر إلى الشر كجزء من لوحة الوجود لكي يصبح خيرًا، فمثلاً: انظر إلى الحاجب والأنف معًا لتجد أن أحدهما يكمل الآخر، فالأنف يكتسب جماله بوجود الحاجب، ولكن إذا نظرتَ إلى الحاجب وأزلت الأنف فسيصبح قبيحًا.
فالشرور إذا نظرتَ إليها كأمر مستقل فستقول أنها شرورٌ، وأما إذا نظرتَ إليها كجزء من لوحة الوجود لوجدتَ أن كل موجود يكمل الآخر، فلولا الألم لما عرفنا اللذة.

فهنا نتقين بعد أن انتهينا من الأسئلة أن عدالة السماء عدالة حقيقية وليست من وحي الخيال

أتمنى أعجبكم الموضوع وانتظر آرائكم واستفسارتكم وأنا في الخدمة^^

تسلم القمر الأسود موضوع جميل

راق لي قراءته كثيرا وأستمتعت بما يحتويه من تساؤلات وإجابات عليها

لا عندمنا مواضيعك الشيقه

كل ودي لك

تسلم مديرنا الغالي

على المرور الرائع وإن شاء الله

^^

السلام عليكم
اخي القمر الاسود اولا احببت ان اشيد بقلمك لا تتوقف اعجبني موضوعك بصراحة

لدي مداخلات بسيطة احببت ان اقولها
قول الحق سبحانه و تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
صدق الله العظيم

فلو لاحظتم اخوتي ان الاية الكريمة تتحدث عن الحياة الدنيا وهي دار فناء وليست دار بقاء
وهذا لا ينقص من العدل الرباني لاننا في دار فناء

فالغني يبتلى بغناه
و الفقير يبتلى بفقره
و الحساب في الاخرة على البلاء لاننا في دار زوال و فناء

قال تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات . وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون).

فوجود العدل الالهي لا يقتصر على الدنيا التي هي دار فناء و زوال انما على الاخرة

أحسنت يا الغالي

وفيت وكفيت وصدقت

تسلم على هذا الكلام الجميل والرائع ويشرفني ردك على الموضوع أخويي الزعابي

تسلم على مرورك الجميل

تحياتي يا الغالي^^

تسلم أياديك القمر الأسود
موضوع جدا جميل ومهم وأتمنى اللي ما يعرف يعرف
وإحنا دورنا طبعا ما دام عرفنا هاذي المعلوووومه المهمه نفيدبها الآخرين
وإن شاءالله الكل يستفيد من معلوماتك اللي ما تحرمنا منها
تقبل مروري القمر ^^

ثانكس القمر الاسود ع الطرح النايس .. لك جزيل الشكر ..دائما مبدع ف مواضيعك الراقيه
يعطيك العافيه..

الدلوعة مهاوي يسلمو ع المرور الحلو

تحياتي^^

وجدان الروح يسلمو على مرورج الحلو ويشرفني كلامج

تحياتي^^